mardi 23 août 2011

ضحايا 20 فبراير بالحسيمة … “شهداء” الحقيقة الضائعة

ضحايا 20 فبراير بالحسيمة ... "شهداء" الحقيقة الضائعة

الموجز :
كانت فاجعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في أولى أيام الربيع المغربي. مدينة الحسيمة أعادت المغاربة سنين الى تاريخ القمع وما نتج عن ذلك من تنافر تاريخي بين الدولة والريف. حادث “احتراق” الشبان الخمسة، لم تكن أبداً حادثاً عابراً كما اعتقد الكثيرون أو كما “طالب” أخرون بذلك. لم يكن من بُد غير فتح تحقيق نزيه بمراقبة حقوقيين وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية الرسمية لهذا الحادث “الغريب” الذي راح ضحيته خمسة شبان في مسلسل لاتزال فصول بدايته موغلة في الغموض. تحقيقٌ ضلت الجمعيات الحقوقية تطالب بفتحهـ غير أن مطالبها لم تجد أذاناً صاغية، جعلت الجمعية المغربية لحقوق الانسان تتسائل حول “من له المصلحة في الابقاء على الحلقات المفقودة في عمق أحداث تركت أثاراً نفسية محيرة وسط الرأي العام بالحسيمة”.



زنقة 20، تحاول من خلال نشرها لهذا الملف الحساس والهام، طرح رؤى وخطوات التحقيق في ملابسات “الحادث” اضافة الى تقارير ومعطيات حول دور المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي تحرك أخيراً بعد “تلكؤ” في ايفاد لجنة تحقيق تابعة له، تعالت حوله أصوات الريفيين، في الوقت الذي أرسل المجلس لجنة تحقيق على وجه السرعة بعد أحداث خريبكة.

زنقة 20، توصلت بتقريري الجمعية المغربية لحقوق الانسان والرابطة الوطنية لحقوق الانسان فيما قام الموقع أيضاً بالاستئناس بتصاريح حقوقيين وصحفيين قاموا بتغطية الحدث الأليم.

التحليل :
مباشرة بعد حادث “احتراق” الشبان الخمسة، خرج وزير الداخلية “الطيب الشرقاوي” وقال أن “الأحداث التي وقعت بالحسيمة هي أحداث شغب وأن الوفاة ناجمة عن احتراق لهذه الجثث بالوكالة المذكورة نتيجة النيران التي شبت فيها و التشريح الطبي ثبت خلوها من أية آثار للعنف“، رواية شكك في صدقيتها أقارب الضحايا والحقوقيين والتقارير الصحفية التي تناقلت النبأ من عين المكان ضلت أيضاً تنتابها شكوك لم يستطع تصريح وزير الداخلية ولا وكيل الملك بالحسيمة رفع البس عنها. كثيرون سائلوا عن غياب المجلس الاستشاري لحقوق الانسان أنذاك وغيابه عن الملف، أخرون طالبوا لاحقاً من المجلس الوطني لحقوق الانسان تقديم التماس الحصول على تسجيلات الفيديو المثبتة داخل الوكالة البنكية، غير أن لا شيء من هذا حصل.

كرونولوجيا الحادث تقوا أن النيران ضلت تنال من الوكالة البنكية لساعات، فيما تدخل الوقاية المدنية كان على فترتين لاخماد الحريق، أولها كان حوالي الساعة الثامنة مساءً، أثنائها تم العثور على جثة واحدة فقط، لكن حوالي الرابعة فجراً ستلتحق نفس الوقاية المدنية لاخماد  حريق جديد شب بالوكالة بعد سماع ذوي انفجار داخلها، بعدها بساعات سيتم “اكتشاف” جثث متفحمة لأربعة شبان، غير أن البس ضل يكتنف توقيت وأنواع التدخلات التي قامت بها عناصر الوقاية المدنية، والذي ضل غامضاً في غياب بلاغ رسمي يفسر احجام هذه المصلحة على التدخل في الوقت المناسب لاخماد الحريق والسبب الذي جعلها تُعيد اخماد الحريق مرة ثانية فجر الـ21 فبراير.

ومن جانب أخر قام موقع زنقة 20 بمحاورة أحد المسؤولين بالمجلس الوطني لحقوق الانسان حول الملف، غير أن الموقع تفاجأ بعد اكتمال الحوار وتفريغه، باتصال من نفس المسؤول يلتمس من موقع زنقة 20 عدم نشر الحوار الذي لا يزال الموقع يحتفظ بنسخة منه بحجة أن هناك مستجدات في الملف، وتفادي التأثير على مجريات التحقيق.

فيديو لشباب يُحاولون ابعاد سيارات على موقع الحريق بالحسيمة.
تقارير الجمعيات الحقوقية، كلها تصب في خانة “التشكيك في الرواية الرسمية”، المكتب المركزي للرابطة المغربية لحقوق الانسان أفاد لجنة للحسيمة، قامت بتحقيق على فترتين، وزنقة 20 توصلت بالتقرير الذي كشف من خلال اللقاءات التي قامت بها الرابطة على مجموعة من المعطيات غاية في الأهمية ندرج أهم النقاط التي حملها.

يقول تقرير الرابطة الوطنية لحقوق الانسان في ما يتعلق بمكان وزمان الحادث :

(تنفيذا لقرار المكتب المركزي للرابطة الوطنية لحقوق الإنسان بإجراء تحقيق حول موضوع… الجثث الخمسة التي وجدت محترقة في وكالة البنك الشعبي الكائنة بشارع محمد الخامس بالحسيمة، يوم 20-21 فبراير 2011م، شكلت لجنة تحت إشراف الرئيس.. 
وبعد زيارتها لمدينة الحسيمة مرتين، الأولى كانت يوم 11 أبريل 2011م، والثانية يوم 20أبريل2011م، ومن خلال التحريات التي قامت بها عن طريق الاستماع إلى ممثلين عن تنسيقية شباب حركة 20 فبراير بالحسيمة وأصدقاء وأقارب الضحايا، وكذلك بعض الشهود، وبعد مقابلات مع الأسر، خلصت إلى الاستنتاجات التالية: 

مكان العثور على الجثث هو وكالة البنك الشعبي، توجد بشارع محمد الخامس، وهي عبارة عن بناية من ثلاث طوابق، الطابق السفلي عبارة عن مكان مفتوح، محاط بكامله بالزجاج، مع وجود أعمدة إسمنتية، يتوفر على بابين، باب رئيسي وباب ثانوي جانبي.

احترق الطابق الأرضي، والإصلاحات على وشك الانتهاء عند إعداد هذا التقرير. 

الجثث هي لأشخاص كلهم شباب، وهم كالتالي : 

جعفر نبيل/ 19 سنة، تلميذ في التكوين المهني اختصاص ميكانيكا، ، الساكن بـ 5 زنقة ابن خلدون، الحسيمة.









 
سمير بوعزاوي/18 سنة، تلميذ بالسنة الثالثة إعدادي {القسم التاسع}، ساكن بسيدي عابد رقم 43، الحسيمة.













جواد بن قدور/25 سنة، يشتغل نادل بمقهى ميرا مار بالحسيمة، ساكن بشارع تزي وسلي رقم 34، حي الباريو الحسيمة.







 


جمال السلمي/25 سنة، يشتغل خياطا، من مواليد تازة، متزوج ومقيم بالحسيمة، الساكن بشارع بدر رقم 20 حي دهار المسعود الحسيمة .











عماد أولقاضي/19 سنة، يشتغل في التجارة، مستواه الدراسي الثانية إعدادي { القسم الثامن }، الساكن بزنقة سعيد، حي مينا دور الأسفل، رقم 3 الحسيمة.











جميع الضحايا ليست لديهم أية سوابق قضائية، ويتصفون بالأخلاق الحميدة والخصال الطيبة، ولا تربطهم أية علاقة صداقة أو أية علاقة رابطة أخرى، لا يعرف بعضهم البعض، و يقطنون في أحياء متباعدة، وليست لديهم أية عداوة أو خلافات شخصية مع أحد، كما تبين وجود أدلة وحجج وقرائن تفيد بشبهة القتل أو التعذيب حتى الموت في حق الضحايا الخمسة، ليتم نقل جثثهم إلى وكالة البنك الشعبي، حيث أحرقت للتخلص من آثار الجريمة والإفلات من العقاب، ومن هذه القرائن :
وجود الدم في الجثث عند تسلمها من طرف العائلات قصد دفنها.
تهشم عظام بعض الجثث، خاصة على مستوى الجمجمة والركبتين.
وجود جروح مفتوحة على مستوى الرأس، مع غياب بعض الأعضاء.
 
فيديو لعضو الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالحسيمة يتحدث عن قتل الشبان ورميهم بالوكالة البنكية :
طالبت الجمعية المغربية لحقوق الانسان من جانبها بفتح تحقيق عاجل ونزيه لمعرفة ملابسات وحقيقة ما وقع وأوردت تخوفاتها في البيان التالي :

الرواية رسمية تعوزها الدقة في المعطيات ويعتريها الالتباس

مباشرة بعد ذيوع خبر وفاة خمس شبان وجدت جثثهم متفحمة بوكالة البنك الشعبي بالحسيمة سارع كل من وزير الداخلية ووكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة إلى إصدار بلاغات مقتضبة تؤكد أن الوفاة ناجمة عن احتراق لهذه الجثث بالوكالة المذكورة نتيجة النيران التي شبت فيها وأن التشريح الطبي ثبت خلوها من أية آثار للعنف وأضاف الوكيل العام أن نتائج التشريحين الطبيين يؤكدان أن الوفاة ناجمة عن الحريق ،وأن تقرير الخبرة الثانية التي أنجزها ثلاثة أطباء مختصون في الطب الشرعي يؤكد عدم وجود أثار للعنف على الجثث وأن الهالكين الخمسة كانوا على قيد الحياة قبل اندلاع النيران ..وخلص إلى أن الأبحاث متواصلة للتعرف عن أسباب نشوب الحريق لتحديد المسؤوليات .. 

غير أن هذه التأكيدات لم تضع حدا للشكوك التي ظلت تنتاب الرأي العام وعائلات الضحايا وبعض الشهود الذين يؤكدون روايات أخرى لها مصداقيتها، وهي على أية حال منشورة في عدة مواقع إعلامية سواء الإعلام الالكتروني أو المكتوب ، تذهب إلى حد افتراض أن يكون بعض هؤلاء الضحايا قد يكونوا تعرضوا للتعذيب وجرى التخلص منهم بتلك الطريقة لمحو آثار الجريمة ، وقد اقتنع الرأي العام إلى حد كبير بهذه الرواية وهذا ما عبرت عنه جموع غفيرة للمواطنين ، غير ما مرة ، شاركوا في عدة مسيرات ووقفات نظمتها كل من فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم  06 مارس 2011  وكذا مسيرات عدة من تنظيم حركة 20 فبراير أبرزها مسيرة يوم الأحد 20 مارس 2011 التي قدمت فيها عائلات الضحايا تصريحات مؤثرة تطالب فيها بالكشف عن حقيقة الظروف التي توفي فيها أبناءها عقب أحداث الحسيمة ،ولعل أبلغ لحظة في هذا المسار تلك التي عبرت عنها شهادات مؤثرة لعائلات مكلومة بالفقدان الأليم لأبنائها وبعض الشهود في يوم تأبيني للشهداء من تنظيم نفس الحركة يوم 31 مارس 2011 بالمركب الثقافي والرياضي بالحسيمة .

 وتقتضي العدالة الجنائية إعمالا لمقتضيات التحقيق والاستماع لمختلف الأطراف وعدم الركون إلى تصديق رواية واحدة مهما توفرت لديها من قناعات وأدلة ، فضلا عن كون المسؤول الأول عن السياسة الجناية بالإقليم مطالب بالتحرك تلقائيا من أجل البت في ما يروج من شائعات قوية لم تبق منحصرة بالحسيمة فقط بل امتدت إلى الوطني والدولي حتى أصبحت تشكل انشغالا وقلقا وسط العديد من المنظمات الحقوقية والإعلامية.

 ويعبر فرع الجمعية عن اندهاشه لتواري الوكيل العام على الأنظار بالرغم من مما يروج بقوة من تشكيك في هذه الرواية التي قدمها للرأي العام، مصدرها عائلات الضحايا وبعض الشهود وكذا عدم إعمال لبعض الإجراءات التقنية ووجود تناقضات ومفارقات لم يجر حلها بشكل معقول ،كما لايزال الرأي العام ينتظر تلك الأبحاث الجارية لتفسير أسباب الحريق وتحديد المسؤوليات ،رغم مرور ستون يوما على الواقعة دون أن يظهر أثر لأي تحقيق.














 ويستفاد من بعض التحريات والشهادات والعديد منها منشورة ومذاعة في العديد من المواقع الالكترونية والاجتماعية والصحاف المكتوبة ،الذي تسنى  لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الوصول إليها عبر تحريات ذاتية ، تؤكد أن ما يروج من شائعات لم ينبع من فراغ وأن وراء الأكمة ما وراءها ولم تكن ناجمة عن رغبة ذاتية لإطلاق بلبلة واسعة وسط الرأي العام بل هناك أساس لها يكمن في مناطق معتمة تركت بدون إضاءة تغذيها بعض التصرفات الرسمية توحي بوجود نية في إخفاء سر ما واكب عملية وفاة مجموعة من الشباب بالوكالة البنكية المذكورة  .

 ومادام الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون حمايته كما تنص على ذلك المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، فكان حريا بالسلطات العمومية والقضائية العمل على تبديد كل المخاوف وتقديم كل الأدلة للرأي العام والمعنيين بالأمر والإجابة على كل الأسئلة التي يطرحها الشارع ، الشيء الذي لم يتم لحد الآن وفي مقدمة ذلك الجواب على القضايا التالية :

1- تحت ذريعة سرية البحث يواصل الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة احتكار معلومات مهمة : الأقراص المدمجة المسلمة له من قبل أمن البنك الشعبي ، التشريحين الطبيين وتقرير الفرقة الأمنية المكلفة بالبحث .. ،

2- بعض المصادر تؤكد أن جثامين الضحايا عثر عليها على دفعتين داخل الوكالة البنكية ، فبعد أن أطفئت النيران من قبل رجال المطافئ حولي الساعة الثامنة مساء يوم 20 فبراير 2011 وتم العثور على جثة واحدة ثم قيل أن النيران شبت من جديد في الوكالة فجر اليوم الموالي تطلب النداء من جديد على رجال المطافئ ليكتشف صبيحته بوجود أربع جثث أخرى ! ولم يتسن لنا تأكيد هذه الحقيقة من جهة رسمية.

3- تقول عائلات الضحايا أن الوكيل العام يرفض تسليم لهن تقرير الخبرة الطبية للإطمئنان إن كان أبناءهم قد ولجوا فعلا إلى الوكالة البنكية وهم على قيد الحياة بل تضيف أن المعني بالأمر يهددهن بأداء مصاريف الأضرار الناجمة عن الحريق إن هن تمادين في المطالبة بهذه الإجراءات ، ما يستشف منه نوع من الابتزاز لمقايضة صمتها ،طالما أن الوكيل العام لم يتحرك لنفي هذه التأكيدات الصادرة عن عائلات الضحايا ، مع العلم أن قانون المسطرة الجنائية في فصله الرابع يؤكد على سقوط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع ولو انه يبقي على الدعوى المدنية قائمة في الفصل 12 من نفس القانون .

 وفي نفس السياق يحق لنا إقامة نفس الدعوى المدنية بالتقصير من قبل السلطة الأمنية في عدم اتخاذها تدابير وقائية لحماية أرواح المواطنين ..

4- هناك أحد الأمهات تؤكد أنها لم تتمكن من التعرف على ابنها الهالك وكانت قد رفضت دفنه ما لم تجر خبرة مضادة ومحايدة قبل أن يتدخل أحد أفراد عائلته للانفراد بدفن الهالك ،

5- هناك شهادة لمواطن أدلى بها في حفل تأبيني لأربعينية الشهداء الذي نظم من قبل حركة 20 فبراير بالحسيمة يوم 31 مارس 2011 بالمركب الثقافي والرياضي وهي منشورة في عدة مواقع إلكترونية ، يقول أنه التقى أحد الضحايا في ساعة متأخرة من الليل في حين أن الحريق شب في الوكالة البنكية في السادسة مساء وتم التغلب على النيران بصفة نهائية حوالي الساعة الثامنة مساء..

 وفي لقاء لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة مع السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة نفى نفيا قاطعا أن يكون قد صدر منه أي تهديد لعائلات الضحايا وأنها لم تطلب منه الاطلاع على تقارير الخبرة الطبية لكنه لم ينف احتمال أن تكون جهة أخرى داخل المحكمة قد تصرفت هذا التصرف، أما فيما يخص الأقراص المدمجة فإنه يرفض أن يسمح لأحد الاطلاع  عليها نظرا لسرية البحث الذي لا زال مستمرا وأنها مرتبطة بملف شمولي ، وعندما طالبه مسؤولي الفرع بمنحهم نسخة من الخبرة الطبية رفض ذلك غير أنه لم يمانع من الاطلاع عليها دون استنساخها .وصلنا أن السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة يؤكد أنه بصدد إجراء بحث معمق تقوم به فرقة أمنية مختصة وفور توصل مصالحه بنتائجه النهائية سيتم إعلانها ورفع السرية عن الملف واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وفي حالة عدم اقتناعه بجدواه، يضيف مصدرنا ، فهو مستعد لعرضه على جهة أخرى لانجاز تحقيق معمق .

 وقد تسنى لنا فعلا الإطلاع على نتائج التشريحين ، الأول من إنجاز المؤسسة الصحية بالحسيمة والثاني من إنجاز أطباء من المركز الاستشفائي ابن رشد أجرته لجنة طبية ثلاثية مختصة في الطب الشرعي. ويبدو ظاهريا من خلال قراءة حرفية لنصه أنه يتطابق مع ما صرح به السيد الوكيل العام ، غير أنه طالما أننا لا نتوفر على هذه الوثيقة رسميا لعرضها على جهة مختصة قصد قراءتها قراءة مهنية ، لا نستطيع تأكيد أي شيء الآن .

 ويستفاد من كل هذه التصريحات سواء الصادرة عن الوكيل العام أو عن عائلات الضحايا والشهود أن هناك تضاربا كبيرا في المواقف تجعل فرع الجمعية يميل إلى تأكيد قناعة أن هناك رغبة لدى الجهات المعنية للتخفي وراء هذا الغموض والالتباس سعيا منها إلى زوال موجة الاحتجاجات التي يشهدها الشارع بالحسيمة بشكل تدفع الرأي العام إلى تقبل الأمر الواقع ودفن الملف برمته في دهاليز الصمت . وفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يحمل المسؤولية للسيد الوكيل العام في احتكار معلومات مهمة باسم سرية البحث ونخاف أن تكون مجرد ذريعة لتكميم الأفواه .

 قبل أن تنتشر هذه الشائعات على نطاق واسع وتأخذ طابع الشك القوي في الرواية الرسمية كان رئيس فرع الجمعية قد أجرى حوار مع جريدة أصداء الريف يوم 26 فبراير 2011 طالب من خلاله الجهات المعنية بالتحري في الظروف الغامضة التي توفي فيها مجموعة من الضحايا في وكالة البنك الشعبي بالحسيمة كما طلب بالتحقيق في وقائع تعذيب المعتقلين و ندد بالطوق الأمني الذي رافق الأحداث التي عرفتها الحسيمة وطالب إجراء تحقيق في كل ملابسات الأحداث المؤلمة إلا أن السلطات المعنية لم تتحرك في اتجاه إجلاء الحقيقة كاملة ولم تبادر إلى إجراء أي تحقيق بل بالعكس سعت إلى قمع التحركات الحقوقية الداعية إلى رفع العسكرة وإجلاء الحقيقة ، هكذا ووجهت الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الهيئات الداعمة لحركة 20 فبراير 2011 أمام مقر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بقمع شرس دون احترام المساطر القانونية  نجمت عنه عدة جروح وإهانة لأطر حقوقية وسياسية وجمعوية ووصلت الأمور إلى حد تمزيق صور محمد بن عبد الكريم الخطابي ولافتات تحمل مطالب الحركة بطريقة تنم عن وجود حقد دفين لبعض الجهات تجاه رموز المقاومة وفي مقدمتهم المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي.

 وجاءت هذه الوقفة في سياق حملة إعلامية مسعورة استهدفت النيل من شرعية التظاهر السلمي لآلاف من المواطنين الذين خرجوا يوم 20 فبراير 2011 وما بعدها في مسيرات شعبية في مختلف المدن والمراكز بإقليم الحسيمة مرت في أجواء هادئة إلى أن تم تحريفها عن مسارها السلمي لتنزلق إلى العنف والعنف المضاد ويمارس قمع واسع وتعنيف بدون استثناء واكبها اعتقالات عشوائية وتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان داخل أقبية الاستنطاق ..

 2- الحياد السلبي للسلطات والقوى الأمنية كان وراء انحراف المسيرات السلمية إلى العنف :

كان هناك نوع من الاستهانة بالصيحة الشبابية والشعبية التي أطلقت يوم 20 فبراير 2011 تمثل ذلك في الغياب شبه التام لقوى الأمن من الساحة والتزامها بنوع من الحياد السلبي ليس بهدف إفساح المجال لاستعمال الشارع العمومي كوسيلة للتعبير السياسي بل ربما لتفخيخه وتلغيمه حتى يحيد عن طابعه السلمي ولكي يروج انطباع بأن الناس غير جديرين بالحرية وتعطى ذرائع لممارسة القمع والبطش !    ويبقى السؤال من بدا العنف خلال 20 فبراير معطى أساسي في هذا المجال ، وللتحري الدقيق في هذا الموضوع لابد من العودة إلى الأيام القليلة التي سبقت الإعداد ل20 فبراير 2011 ،  لقد تحركت آلة الإعلام الرسمي بشكل جنوني في محاولة للتشويش على الحدث والتقليل من أهميته بل والترويج لخبر تأجيله ناهيك عن الأساليب غير المرئية التي اعتادت السلطات إلى الالتجاء لها في مثل هذه المناسبات وهي تمتلك جيشا من المقدمين والشيوخ يسخرون في كل الاتجاهات ..   إذن فسؤال من بدأ العنف له علاقة بمن مهد للعنف ، ومن له المصلحة في ممارسته ؟  الشارع الحسيمي ، وهو جزء من الشارع المغربي ، اقتحمه المغاربة بقيادة جيل من الشباب استمد قوته من سياق ربيع الديمقراطية العربي والمغاربي الذي يعلن بدون توقف عن نهايات كاريكاتورية لأنظمة ديكتاتورية مناهضة لإرادة الشعوب في تقرير مصيرها ، فقد نزل أبناء المنطقة في هذا المناخ الوطني والإقليمي وكان بمطالب واضحة لا ديماغوجية فيها لم يترك فرصة أمام القوى المحافظة من أجل تبخيسها والمزايدة على شرعية المطالبة الشعبية بالعدالة والديمقراطية والمساواة وسيادة حقوق الإنسان ومحاربة المفسدين واحترام الإرادة الشعبية في تقرير مصيرها ..    تحت هذه العناوين الكبرى التي تعكس تطور درجة الوعي لدى عامة المواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع يوم 20 فبراير 2011 وقطعوا مسافة طويلة مشيا على الأقدام مرورا بعدة مراكز قروية وحضرية : آيت بوعياش ، إمزورن ، بوكيدارن ، أجدير ثم استقرت المسيرات بمدينة الحسيمة حوالي الساعة الثالثة بعد الزوال، وطيلة هذا المسار الطويل لم يثبت أن تجرأ أي متظاهر على رمي المنشآت العمومية بالحجارة ولم يسجل أي شكل من أشكال الاعتداء ، ووسط ذهول واستغراب من الجماهير الغفيرة المستقرة بالساحة الكبرى بالمدينة ظل يتابع الجميع كيف تم تحريف الطابع السلمي للمسيرة دون أن يجد أي من المنظمين والمتظاهرين أي  تفسير  لهذا الانحراف وقد حاولوا توقيفه دون جدوى الشيء الذي يطرح علامات استفهام كبرى حول من خطط لهذه المحاولة اليائسة للتشويش على الطابع السلمي للاحتجاج ..وتنتاب الفرع شكوك قوية أن يتم الالتجاء إلى استلهام تفسير لما حدث بناء على اعتقالات عشوائية وعلى تصريحات يقول أولياء المعتقلين في شكاياتهم لفرع الجمعية ،أن أبناءهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة والإهانة وصلت إلى درجة التلفظ بعبارات لها نفحة عنصرية يعاقب عليها القانون الجنائي وتشجع على الحقد والكراهية من قبيل : ياأحفاد الأسبان ،إجبار العارضين على الوقوف على رجل واحدة لمدة طويلة ، التهذيب البدني والنفسي ، اتهام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأنها جمعية للواط مع أنها جمعية محترمة و ذات منفعة عامة ..وقد سجلت شكاية في الموضوع لدى النيابة العامة بمحكمة الابتدائية بالحسيمة تحت رقم 441/11 تشير فيه إلى أصابع الاتهام موجهة إلى عناصر من الشرطة محددين بالاسم ،فبدل أن تقوم الجهة المختصة بإحالة الشكاية على جهة غير تلك التي يفترض أن تكون قد ارتكبت المخالفة، بدل ذلك عمدت إلى إحالتها على نفس الجهة ! مما يعد إخلالا بالقوانين والمساطر الجاري بها العمل حرصا على توخي شرط الحياد في البت النزيه في المنسوب للمعنيين بالأمر . إن الشطط في استعمال القانون والسلطة معا كان باديا في طريقة متابعة المطاردين واعتقالهم ، عدد منهم لم يعتقلوا متلبسين بالجريمة بل شملتهم حملات عشوائية كما تشهد على ذلك شهادات لشهود توصلت الجمعية بنسخ منها عبر أقرباءهم ولاسيما التلميذان اللذان تنسب لهما تهما تتنافر مع سجلهم الدراسي الذي يشهد على استقامتهما الأخلاقية والأدبية . إن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يتملكه قلق كبير جراء التهم المنسوبة للمعتقلين كما هو مبين في أمر الإحالة على غرفة الجنايات =ملف التحقيق عدد 38- 14/11 محكمة الاستئناف بالحسيمة = والتي تبين خطورتها أنها تمهد لأحكام قاسية في حق المتابعين الشيء الذي سيساهم ، لامحالة ، في تأجيج الأوضاع مما يعاكس كل التطلعات الشعبية العارمة نحو التغيير ومن أوجهه الساطعة هو فرض استقلال السلطة القضائية التي بدون ذلك لا معنى لأي تغيير.

ونخلص إلى القول بأن التحريات أثبتت وجود عدة خروقات فضيعة واكبت عملية قمع المسيرات الشعبية خلال أحدثا 20 فبراير وما بعدها نوجزها فيما يلي :

 -  الشطط في استعمال السلطة وتجاوز القانون ،

- التعذيب والتستر على حقائق بشكل يتنافى مع التزامات الدولة المتعهد بها بعد مصادقتها على اتفاقية مناهضة التعذيب ،

-استمرار ممارسة الإفلات من العقاب بشكل بتنافى تماما مع الجو الذي يدشن حاليا والرامي إلى دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ولا سيما توصية حول الحكامة الأمنية كما يعزز سياسة الإفلات من العقاب تهرب الدولة من المصادقة على البرتوكول الملحق بوثيقة مناهضة التعذيب رغم وجود ترافع من قبل الهيئات الحقوقية لحملها على ذلك ،

-  الضغط والتعذيب لانتزاع اعترافات من العارضين وتلفيق لهم تهما قاسيا واعتقالهم خلال اعتقالات عشوائية وتعنيف المتظاهرين ودهس البعض منهم بسيارات الأمن عبر إلحاق بهم عاهات مستديمة ،

-   التستر على معلومات مهمة من قبل المسؤول الأول عن السياسة الجنائية بالإقليم واحتكارها باسم سرية البحث بشكل يتنافى مع مقتضيات القانون الجنائي الدولي والوطني.

  بعد سلسلة اللقاءات التي قام بها ناشطون محسوبين على “حركة 20 فبراير” بالحسيمة وعدد من الجمعويين والحقوقيين بطنجة والرباط حول الملف، وبعدما أخذ الحادث صبغة أكثر من وطنية، حيث تعالت أصوات حقوقية دولية للتحقيق النزيه في الحادث، وفيما جعلت بعض الجهات الاجنبية، الملف ذريعة للظغط على المغرب حقوقياً، استيقظ أخيراً المجلس الوطني لحقوق الانسان وحط الرحال بالحسيمة برئاسة رئيسه “ادريس اليزمي”. فكان لقاءه بعائلات الضحايا، والتزم المجلس حينها بمتابعة التحقيق الذي باشرته السلطة القاضئية، لضمان ما أسماه “حقوق الضحايا”.

المصدر : موقع زنقة 20